مباشرة بعد توقيع أغلب فئات نساء ورجال التعليم محاضرَ التوقيع برسم الدخول المدرسي الحالي، بدأت الغالبية العظمى منهم، وخاصة المنتمين إلى الفئات التي تعتبر نفسها
متضررة داخل الجسم التربوي، سواء في فئة مزاولي مهمة التدريس داخل الأقسام أو الفئات العاملة داخل دواليب إدارات تابعة للقطاع، بدأت تطرح أسئلتها حول مآل الملفات التي تم «التفاهم» أو «الاتفاق» بشأنها بين الأجهزة الممثلة للنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية وطنيا، والتي «انفضت» أو «علقت» بموجبها أغلب المحطات الاحتجاجية التي عرفتْها الساحة المقابلة لمقر وزارة التربية الوطنية أو تلك المقابلة لمصلحة الموارد البشرية أو حتى قبة البرلمان في عدة مرات، وكانت أغلب تساؤلات رجال ونساء التعليم موجهة، بالخصوص، للنقابات التعليمية التي زفّت إليهم بشرى طي عدد من الملفات التي نالت نصيب الأسد من أيام الاحتجاج، دون أن نغفل الملفات التي يتضمنها الملف المطلبي لرجال ونساء التعليم في شموليته، كما يطرح رجال ونساء التعليم تساؤلات حول مصير المخطط الاستعجالي وكذا التنقيلات، التي أقدمت عليها الوزارة خلال شهر غشت، والتي خلّفت استياء كبيرا وأجّجت الأوضاع من جديد بين الوزارة ورجال ونساء التعليم والنقابات الممثلة لهم. وقد حملنا تلك التساؤلات إلى الكتاب العامين للنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية وحاولنا رصد توقعات كل هيأة نقابية على حدة ورأيَها في القضايا التعليمية.
وقال عبد العزيز إيوي، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم (ف. د. ش.) إن الدخول المدرسي لهذه السنة يجر معه، للأسف، بعض التراكمات السلبية، فبعد الاتفاق والالتزام مع الحكومة، وقع تماطل من طرف الحكومة، ما بين الوزير الأول والخازن العامّ، في إعطاء ترخيصات، وهذا أدى إلى تأجيل القرارات الصادرة عن الوزير الأول، حيث ما زالوا يشتغلون على تفعيل اتفاقات شهر ماي إلى يومنا هذا. وقال إيوي إن هذا سيؤدي إلى احتقان في الساحة التعليمية بالنسبة إلى الفئات التي بشّرتها النقابات والوزارة عبر بلاغات رسمية بكون ملفّاتها قد حلت، مضيفا أن السنة الثالثة في البرنامج الاستعجالي ستعرف تراكم مجموعة من المهام غير المنجزة، وكمثال على ذلك برمجة بناء العديد من المؤسسات الابتدائية في العالم القروي والعديد من المؤسسات الإعدادية والثانويات، وهذا لم يتمَّ بالشكل المطلوب والمحدد في البرنامج الاستعجالي، إضافة إلى عدم بناء العديد من الداخليات وعدم تنظيم النقل في العالم القروي، لتسهيل ولوج الفتيات فيه، وفي المدارس الجماعاتية، التي قالوا إنها ستحل مشكل الفرعيات...
ومع تراكم هذه المشاكل -يقول إيوي- فتحت الوزارة المنظومة التربوية على مئات الآلاف من المتعلمين والمتعلمات من أبناء الشعب، الذين التحقوا بالمدارس خلال هذا الموسم، في غياب البنية التحتية الملائمة لاستقبالهم، أكثر من ذلك، فإنه لم يتمّ التغلب على مشكل الخصاص، رغم التوظيفات المباشرة التي لجأت إليها الحكومة تحت ضغط الحراك الاجتماعي الأخير، إذ هناك نيابات لجأت إلى لغة الاكتظاظ وضم الأقسام المشترَكة للتغلب على مشكل الخصاص في الموارد البشرية، وهذا سيؤدي -حسب إيوي- إلى تراكم وتفاقم المهام على رجال ونساء التعليم، سواء في الأقسام أو في الإدارات. وسيزيد من حدة الاحتقان، وبالتالي سنجد أنفسنا، من جديد، أمام مشاكل متراكمة.
وعلى مستوى المؤشرات النوعية، أفاد إيوي أن الوزارة، وهي ما تزال تتخبط في تنزيل بيداغوجيا الإدماج في الابتدائي، قررت هذه السنة تنزيلها على مستوى الإعدادي، وهذا سيخلق مشاكل عديدة، لكون المفتشين والأساتذة بهذا السلك ما زالوا لم يتلقوا أي تكوين حول هذه البيداغوجيا، وهم مطالبون بالشروع في تنزيل بيداغوجيا الإدماج. ولم يفت إيوي التشديد على أن مجموعة من المشاكل الأخرى ما زالت عالقة ولم تبُتَّ فيها الوزارة، منها معايير الحركة الانتقالية الوطنية والحركة الاستثنائية الشفافة والواضحة ومعايير الترقية، سواء بالاختيار أو بالامتحان المهني.
من جانبه، قال محمد سحيمد، الكاتب العام للجامعة الحرة للتعليم (ا. ع. ش. م.) إن نقابته عادة ما ترصد معالم الدخول المدرسي بعد توصلها بالمعطيات الرقمية من المسؤولين الجهويين. لكنه أكد، في المقابل، أن هناك أصداء من جهة مراكش -تانسيفت، مثلا، تؤكد أن هناك خصاصا مُهولا في بعض النيابات، وهناك سوء في تدبير الموارد البشرية جعل في بعض المناطق اكتظاظا وفي مناطق أخرى خصاصا، ومراكش -يضيف سحيمد- لها حساسية خاصة لدى الوزارة، فما بالك ببعض الجهات الأخرى، التي تعودنا على وجود مشاكل فيها، كجهة سوس -ماسة -درعة وجهة تازة -الحسيمة... أما بخصوص الحوار الاجتماعي فقد أكد سحيمد أن النقابات التعليمية ثمّنت المكاسب التي توصلنا إليها، لكن الأساس بالنسبة إليهم هو المراسيم التطبيقية لهذه المكاسب، والتي ستظهر بالملموس حسن النية لدى الوزارة في التعامل مع الاتفاق، وهي التي ستُبيّن لنا الاتفاقات الحقيقية، لهذا نحن نتحفظ في التعامل مع المكاسب إلى أن يتم إخراج المراسيم التطبيقية إلى حيز الوجود، والتي كان من المفترَض أن تكون الحكومة قد أهدتْها لرجال ونساء التعليم مع بداية الموسم.
وقال سحيمد إن نقابته تسجل تذمرها من «الهدية المسمومة» التي قدّمتْها الوزارة لرجال ونساء التعليم بإجرائها الامتحانات المهنية في هذا التوقيت، «فلا يعقل بتاتا مع العطلة الصيفية ورمضان وبداية الموسم الدراسي الدخول مباشرة في امتحانات»، لأنه بمثل هذه البرمجة يمكن القول إن حسن النية غير وارد لدى الوزارة بهذا الشأن.
أما في ما يخص تنقيلات غشت، فقد أعلن سحيمد، باسم الجامعة الحرة للتعليم، نبذه وإدانته وشجبَه مثلَ هذه الممارسة وقال إنهم ضد العمل في جنح الظلام، نافيا أن يكون من المغاربة من يعامَل على كونه من «الدرجة الأولى» وآخرين من درجات أخرى، فالوزارة لم تستجب في السابق لطلبات المعتصِمات من أجل الالتحاق بأزواجهم واللواتي قضين 06 يوما من الاعتصام و تقدم اليوم على هذه الحركة؟
وبخصوص المخطط الاستعجالي، قال سحيمد إن الثلاث سنوات التي مرت هي سقف متجاوز فما زال أزيد من 04 في المائة منه لم يتحقق، وخير دليل البنية التحتية، التي تعتبر ملموسة وبشهادة المسؤولين في الوزارة الذين أقروا بأنهم لم يستطيعوا إنجاز أكثر من 35 في المائة، ومعالم مثل هذه تستوجب إخراج مخطط استعجالي آخر ينقذ المخطط الاستعجالي الحالي.
وأكد الكاتب العام للجامعة الوطنية لموظفي التعليم (إ. و. ش. م.) عبد الإله الحلوطي، بدوره، أن الدخول المدرسي يحل باستحضار احتجاجات ونقاشات السنة الماضية حول مجموعة من القضايا والملفات، والتي قال إنها توجت ب»تفاهم» حتى لا أقول «اتفاق»، لأنه لم يوقع اتفاق إلى حد الآن على حل مجموعة من الملفات بين الوزارة والنقابات التعليمية، وإن كانت قد تمت الاستجابة في ما توصلنا إليه مع الوزارة لمجموعة من الملفات، لكن هناك مجموعة من الملفات التي ما تزال عالقة (المصنَّفون في السلم التاسع والدكاترة العاملون في قطاع التعليم المدرسي والمجازون وملحقو الإدارة والاقتصاد والملحقون التربويون) والذين لم يجدوا ذواتهم في ما تم التوصل إليه من اتفاق حول وضعيتهم.
وقال الحلوطي إن نقابته حاولت، بكل ما أوتيت من جهد، أن تجعل امتحانات نهاية السنة الماضية تمر في ظروف طبيعية على أساس أن تتخذ الوزارة خطوات قوية تتجاوب مع الملفات المطروحة عليها، لكن ذلك ما يزال لم يتم بشكل واضح، مضيفا أن على الجميع بذل مجهود لضمان دخول مدرسي سليم وعادي، لتجاوز أي ارتباك قد يؤثر عليه، ولن يتم ذلك إلا بعد أن تجد نتائج الحوار القطاعي طريقَها إلى التنفيذ بشكل سريع وواضح يحدد كل الخطوات كي تصبح معروفة ومحدَّدة لدى الرأي العام التعليمي عبر أجندة واضحة المعالم، حتى نقفل الأبواب التي من الممكن أن تؤدي إلى «البلبلة».
وحسب الحلوطي، فإن هناك قضايا وملفات بقيت عالقة منذ السنة الماضية ينبغي التعاطي معها بشكل عاجل وأن تتم فيها خطوات واضحة كذلك وأن يعقد لقاء مسؤول بين الشركاء والوزارة كي نكون واضحين مع رجال ونساء التعليم.
وفي ما يتعلق بالتنقيلات الأخيرة، أكد الحلوطي أن نقابته كانت وما زالت تطالب بإجراء حركة استثنائية اجتماعية وصحية تعالج الحالات التي لا يعترف بها الحاسوب، وهي حالات «استثنائية جدا»، على أن تكون واضحة وشفافة وذات معايير متفقاً عليها بين الوزارة والنقابات التعليمية وأن تكون على طاولة واحدة وعلى أساس عدم التأثير سلبا على الخريطة المدرسية الوطنية... لكننا -يتابع الحلوطي- تلقينا مجموعة من الاتصالات من مجموعة من جهات المغرب تفيد بوجود مجموعة من حالات انتقالات لعدد من رجال ونساء التعليم واعتبرناها «حركة سرية» وطرحنا السؤال حول هوية المستفيدين وما يُميّزهم عن باقي رجال ونساء التعليم. ونحن، يتابع المتحدث نفسُه، نرفض في نقابتنا رفضا باتا هذه الحركة السرية ونعتبرها غير قانونية وغير مشروعة ولا يمكن التعاطي مع هذا الموضوع إلا بالرفض، ويجب تصحيح هذا الوضع لضمان جميع حقوق رجال ونساء التعليم.
ومن جهته، أكد البشير ، عضو الأمانة العامة للجامعة الوطنية للتعليم (ا. م. ش.) أن الدخول المدرسي الحالي يأتي بعد سنة وصفها بالاستثنائية كان يمكن أن تصبح سنة بيضاء بالنظر إلى الحركية المنظمة وغير المنظمة لنساء ورجال التعليم، والتي صادفت الحركية الاجتماعية على المستويين الوطني والعربي، الشيء الذي أثّر بشكل سلبي على المنظومة التربوية وعلى التدريس بالنسبة إلينا كجامعة وطنية للتعليم.
وأضاف البشير أن هذا الحراك كان يقتضي الجلوس على الطاولة في نهاية السنة لوضع تقييم الحصيلة للسنة الماضية، حتى يمكننا في إطار العلاقات التشاركية التهييء لدخول مدرسي عادي يمكننا من خلاله ضمان دخول مدرسي طبيعي لأبنائنا وبناتنا ولرجال ونساء التعليم، وهذا ما لم يتم، لكن الوزارة استدعتنا في الأسبوع المنصرم وبلّغناها موقفنا وتخوفاتنا، لأن هناك مجموعة من الملفات التي ما زالت عالقة، رغم كون الحوار الاجتماعي الذي تُوِّج باتفاق 62 أبريل تقريبا يلبي ملف البلاغ المشترك للنقابات التعليمية الخمس الذي تم توقيعه في غشت 7002. لكنْ كان هناك مشكل في بعض الجزئيات، خصوصا بخصوص ملف المرتبين في السلم التاسع، فلو أن الاتفاق الذي نَصّ على تسوية وضعيتهم بتاريخ المفعول المتعلق ببند سقف سنوات الانتظار لو تم تفعيله من فاتح يناير 1102 أو على الأقل في فاتح ماي 1102، لكان سيخلق انطباعا طيبا وسيلبي أحد المطالب الأساسية، لكن بشكل عامّ، نحن نعتبر أن أغلب بنود اتفاق 62 أبريل إيجابية ولبّتْ مجمل مطالب الجامعة الوطنية للتعليم. وقد اقترحنا على الوزيرة -يقول المتحدث نفسُه- إمكانية تفادي بعض مثل هذه الجزئيات، لتفادي احتجاجات فئة المرتّبين في السلم التاسع، التي تعتبر أكبر فئة متضررة، ونفس الشيء بالنسبة إلى باقي الملفات، إضافة إلى الملفات التي نعتبر أنها ما زالت عالقة، مثل معايير إجراء الحركة لرجال ونساء التعليم وكذا المعايير المتّبَعة لاجتياز رجال ونساء التعليم للامتحانات المهنية... ولم يفت البشير الحديث عن الانتقالات، التي طالت عددا من رجال ونساء التعليم في منتصف غشت المنصرم، حيث قال إنه في الوقت الذي كنا، كنقابة، نطالب بإجراء حركة وطنية استثنائية لحل مجموعة من الملفات الاجتماعية لنساء ورجال التعليم على اعتبار أن الحركة الوطنية لا تلبي جميع المطالب ولا تحل المشاكل الاجتماعية، والتي كانت بمثابة المتنفَّس فقط لمثل هذه الحالات. وفي الوقت الذي لم تعبر الوزارة عن رغبتها الواضحة في إجراء هذه الحركة الاستثنائية، فوجئنا داخل الجامعة الوطنية للتعليم بأن مجموعة من رجال ونساء التعليم (العدد غير محدد وطلبنا من الوزيرة أن تمدنا بالرقم الحقيقي لهذه التنقيلات) وتساءلنا عن هويتهم وعن الكيفية التي تم بها تنقيلهم. وقد عبرنا عن موقفنا الرافض لإجراء حركة استثنائية سرية، لأننا إذا كنا نريد ضمان موسم دراسي سليم خالٍ من الاضطرابات والاحتجاجات، علينا، على الأقل، أن نعمل في إطار الشفافية، وطالبنا بإعادة النظر في ما جرى في هذه التنقيلات السرية، كي لا نصب الزيت على النار، يتابع الحسيني.
وبخصوص المنظومة التربوية، قال البشير الحسيني إنهم عبّروا عن موقفهم بخصوص البرنامج الاستعجالي وملاحظاتهم وتحفظاتهم في حينها ولم تنصت إليهم الوزارة. وقد ظهر، بمرور الزمن، صدق وصواب ملاحظاتهم في هذا الإطار. وحول اعتبار السنة هي الأخيرة في البرنامج، قال الحسيني إنه كان على الوزارة تنظيم يوم وطني في نهاية أو بداية السنة مع الشركاء الاجتماعيين والفاعلين التربويين للوقوف على الوضع وتقييم السنوات التي مرت وللوقوف على مكامن الخلل وتثمين الإيجابيات، لأنه في الوقت الذي تنفرد الوزارة بتفعيل وأجرأة البرنامج دون استشارة النقابات، يطرح تساؤل كبير حول مفهوم التشارك والتعاون.
ولم يخف الحسيني تخوفَه، هو أيضا، من أن تكون هذه السنة سنة احتجاج بعض الفئات التي قال إن الوزارة بإمكانها تجاوزها.
وفي الوقت الذي أدلى الأمناء العامّون لأربع نقابات تعليمية بتصورهم حول الدخول المدرسي الحالي وبعض القضايا المطروحة للنقاش في أوساط رجال ونساء التعليم، فضّل علال بلعربي، الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم (ك. د. ش.) عدم الحديث، على الأقل في الوقت الراهن، إلى حين تجميع نقابته للمعطيات والأرقام الخاصة بالدخول المدرسي في جهات المغرب.
رضوان الحسني
المساء : 14 - 09 - 2011